مقدمة:
عرّفوا "الإنسان" بتعريفات متعددة، لعل أشهرها وأقدمها أنه "حيوان ناطق"؛ أي مفكر، ومن هذه التعريفات كذلك: أنه "حيوان مخترع" أي: متطور, وضربوا مثلاً بالإنسان والقرد، فالقرد من ملايين السنين ما زال يعيش في الكهوف وبين الأشجار، ويأكل الموجود الجاهز من ثمار وحشائش وغيرها، أما الإنسان فقد طوَّر حياته وبيئته، فحوَّل سكنه من الكهوف إلى البيوت المبنية.. وإلى ناطحات السحاب، وطوَّر ملبسه من ورق الشجر إلى جلد الحيوانات، ثم إلى أفخر المنسوجات... إلخ، وطوَّر حياته من الفوضوية إلى الحياة الاجتماعية المحكومة بنظام قانوني.
وعرَّفوا الإنسان كذلك بأنه "حيوان ضاحك"، والضحك تعبير معين يظهر على قسماتِ الوجه- وخصوصًا الشفتين- مصحوبًا بصوتٍ معين هو صوت الضحكة الذي إذا علا وارتفع سُمي "قهقهة"، فإذا كان صامتًا فهو ابتسامة.
والضحك نوعان: ضحك تعبيري، وضحك تعويضي، والأول مصدره شعور الإنسان بالفرح والسعادة، أما النوع الثاني فسببه تلاحق الشدائد والمصائب على الإنسان حتى يفقد إحساسه بها، على حدِّ قول المتنبي:
رَمَانِي الدَّهْرُ بِالأَنْصَالِ حَتَّى = فُؤَادِي فِي غِشَاءٍ مِنْ نِبَالِ
فَكُنْتُ إِذَا أَصَابَتْنِي سَهَامٌ = تَكَسَّرَتِ النِّصَالُ عَلَى النِّصَالِ
وأمام حالة "اللامبالاة" هذه يلجأ المرزوء إلى ملء منطقة السعادة المفقودة في شعوره بالضحك الذي يأخذ صورة السخرية من ظالميه وأعدائه.. يسخر منهم ويضحك، ويُضحِك الآخرين عليهم؛ منتقمًا منهم بلسانه بعد أن عجز عن الثأر منهم بيده، ويجد أن أَمْضَى سلاحٍ في هذا المقام هو "النكتة".
*****
التعربف اللغوي للنكتة
"النكتة" تعني المعاني الآتية في اللغة العربية:
1- حز الأرض، أو ضربها بعود أو عصا، وإحداث أثر فيها.
2- النقطة السوداء كوسخٍ في المرآة أو السيف أو العين.. إلخ
3- الضربة أو الطعنة، أو إلقاء الرجل في الأرض على رأسه، والرجل النكَّات هو: الطعَّان في الناس.
والنَّكّات (بتشديد الكاف): الطعَّان في الناس.
والنَّكِيتُ: المطعون فيه.
وهناك طائر كبير يُسمَّى "النكَّات" (بتشديد الكاف)، وهو طويل المنقار والساقين، يعيش في الأمريكتين وأستراليا وأوروبا، ويفد إلى مصر شتاءً طلبًا للدفء، وأُطلق عليه هذا الاسم لأنه ينكت أي يضرب بمنقارره الطويل في الطين بحثًا عن الديدان.
وهناك كلمة تشبه كلمة "التنكيت" في المعنى هي كلمة "التبكيت"، وهي كما جاء في لسان العرب الضرب بالعصا والسيف واليد ونحوها، وهو أيضًا: التقريع والتوبيخ.
والتعريف اللغوي يشير في قوةٍ إلى الطابع النقدي المعنوي "للنكتة": فهي تكشف العيوب والمثالب, وتهزها، وتضربها بالسخرية الشديدة المرة، وهي كالتبكيت تحمل معنى التقريع والتوبيخ، ونذكر في هذا المقام أن عبد الله النديم أصدر مجلة سماها "التنكيت والتبكيت" كانت تهاجم المستعمرين والفاسدين بسخريةٍ وتهكم.
ويعد الشعب المصري من أكثر شعوب العالم ضحكًا وتنكيتًا؛ وذلك على سبيل التعويض طبعًا؛ لأنه تعرَّض على مدار التاريخ للظلم الفادح والقهر الطحون.
والعلاقة بين النكتة والظلم السياسي والاجتماعي علاقة طردية، فهي تكثر وتتنوع وتنتشر في عهود الظلم والدكتاتورية، وتقل بل تختفي في عهود العدل والحرية؛ لذلك كان النصف الثاني من القرن العشرين بعد قيام الميمونة سنة 1952م أغزر العهود وأشدها وأمَرَّها نكتًا، وأغلبها يرتبط بتصرفات المسئولين الكبار إذا شذت عن الطريق القويم.
*****
التعريف الفني
ومما كُتب في تعريف النكتة:
النكتة هي عمل درامي مستقل بذاته له تركيبة أدبية مضغوطة ومكثفة، وهي إفراز ساخر لأزمات الدول والثقافات، فيكفي أن تتعرَّض بنكتة لأي فئةٍ حتى تنبري هذا الفئة بطريقة قبلية حماسية للدفاع عن نفسها حتى لو لم تكن النكتة تمسهم بشكلٍ مباشر.
ونرى شيخ الإسلام ابن تيمية يعرف النكتة بأنها: "شيء من قول أو فعل يُقصد به غالبًا الضحك وإدخال السرور على النفس، ويُنظر في حكمها إلى القصد منها وإلى أسلوبها، فإن كان المقصود بها استهزاءً أو تحقيرًا مثلاً، أو كان في أسلوبها كذِب مثلاً كانت ممنوعة، وإلا فلا، وهي تلتقي مع المزاح في المعنى، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يمزَح ولا يقول إلا حقًّا، ومن حوادثه أن رجلاً قال له: احملني على بعير، فقال "بل نحملك على ابن البعير" فقال: ما أصنع به؟ إنه لا يحملني، فقال صلى الله عليه وسلم: "ما من بعيرٍ إلا وهو ابن بعير". رواه أبو داود والترمذي وصححه". الأذكار للنووي ص322، وقيل: إن السائلَ امرأة.
*****
النكتة والشائعة
ابتداءً يجب أن نعرف أن كلمة الشائعة تُستعمل كما تستعمل كلمة (الإشاعة)، والفرق بينهما هو فرق صياغة، فالشائعة مشتقة من "شاع" بمعنى انتشر، فهي فعل لازم، بينما الإشاعة مشتقة من الفعل "أشاع" فهي فعلٌ متعدٍ. ويرى بعض الباحثين اللغويين أن الإشاعة تبدأ، فإذا انتشرت أصبحت شائعة.
وفي القرآن الكريم استعملت كلمة شاع مرة واحدة؛ وذلك في قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ﴾ (النور: من الآية 19).
والتعريف العلمي للشائعة كما عرضه فقه الإعلام والسياسة أنها سلاحٌ من أسلحة الحرب النفسية، ويتمثل في خبر مدسوس كليًّا أو جزئيًا، وينتقل شفهيًّا أو عبر وسائل الإعلام دون أن يرافقه أي دليل أو برهان، ويقصد غالبًا بالشائعة تحطيم المعنويات، وتحقيق أهداف سياسية، أو اجتماعية.. إلخ.
وقد قسموا الشائعة عدة أقسام منها:
1- الشائعة التي تنتقل ببطءٍ من شخصٍ إلى آخر.
2- الشائعة التي تنطلق بضجة فتصل إلى أسماع عددٍ كبير من الناس خلال فترة زمنية قصيرة، وتكثر أيام الكوارث، وعند الانتصارات أو الهزائم.
3- الشائعة التي يُطلق عليها اسم "الشائعة الغائصة" أي أنها تروج في البداية، ثم تختفي لتظهر ثانيةً عندما تُتاح لها فرصة للظهور.
والشائعة يطلقها العدو أو عملاؤه، كما تطلق ذاتيًّا للتنفيس عن كبتٍ شديد.
وقد ظهرت الشائعات أثناء الحرب العالمية الثانية لخدمة الجيوش المقاتلة، وعلى سبيل التمثيل.
1- أشاع الألمان بين الجنود المسلمين الذين يقاتلون في صفِّ الحلفاء بأن الشحم المستخدم في البنادق وغيرها شحم خنزير.
2- كما أشاعوا بين الجنود الهندوس بأن هذا الشحم شحم مأخوذ من البقر؛ مما جعلهم ينحدرون معنويًّا؛ لأن هذا يعتبر إساءةً لمعتقداتهم.
3- ولا شك أن أشهر الشائعات ما يحقق أحلام اليقظة، وأذكر وأنا طفلٌ صغير في الأربعينيات أنه سَرَتْ شائعةٌ حينما اقتحم رومل العَلَمِين، مؤداها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء لهتلر في المنام (وكان العامة ينطقونها هترن) فأسلم هترل على يديه، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: الله يبارك لك في مصرك يا حاج محمد.
سرت هذه الشائعة على نطاق واسع، وصحبتها مظاهرات مصرية تهتف "إلى الأمام يا رومل".
وهذه الشائعة تمثل حلمًا كان يعيشه المصريون وهو التخلص من الاستعمار الإنجليزي، ومظالم الإنجليز، وهذا إن لم يتحقق فعلاً يتحقق على سبيل الحلم والأمل.
*****
وقبل أن نعرض لأنواع النكت نستقرئ "صحافة النكت" في العصر الحديث، ويطلق عليها الأستاذ ياسر قطامش الصحف الفكاهية، ونقتبس مما كُتب القطوف الآتية:
معنى الفكاهة مأخوذ من "الفاكهة" التي يتفكه بها الناس؛ أي يتلذذون بطعمها الجميل، وقد برع المصريون في ذلك براعةً شديدةً منذ العصر الفرعوني وإلى الآن؛ لتمتعهم بالذكاء وسرعة البديهة، وقد اتخذوا من الفكاهة والسخرية والنكت اللاذعة منفذًا للتفريج عن همومهم؛ خاصةً في أوقات المحن وعصور الاستبداد والظروف الحالكة، فالمصري بطبيعته ابن نكتة منذ فجر التاريخ، كما يقول عالم الآثار الكبير سليم حسن، كما أن العربي بصفة عامة يميل للضحك والفكاهة، وقديمًا قال الجاحظ "إذا أردت أن تقتل خصمك فاجعله أضحوكةً لك وللآخرين".
في عام 1870م، أصدر رفاعة رافع الطهطاوي مجلة "روضة المدارس"، وكانت أدبية علمية لا تخلو من الفنون واللطائف والفكاهة.
وانتعشت الصحافة الفكاهية بظهور مجلة "أبو نظارة"، التي أصدرها يعقوب صَنُّوع سنة 1878م، وكانت أول صحيفة هزلية كاريكاتيرية في الشرق، وابتكر أبو نظارة في مجلته شخصية "شيخ البلد"، وكان يرمز بها إلى الخديو إسماعيل، وشخصية "أبو الغُلْب" التي ترمز للفلاح المصري، كما أطلق على الخديو توفيق اسم "الخديو توقيف" وعلى رياض باشا اسم "الوزير المشخلع" وعلى نوبار باشا اسم "غُوبَار باشا".
وقد تلا ذلك صدور "التنكيت والتبكيت" لعبد الله النديم سنة 1881م، وكانت صحيفة وطنية أسبوعية أدبية هزلية، هجوها تنكيت، ومدحها تبكيت، ولغتها لا تلجئك إلى معجم لغوي.
وفي عام 1892م أصدر النديرم مجلة "الأستاذ"، فكانت صحيفة عملية تهذيبية فكاهية، إلا أن صفحات المجلتين كانت تخلو تمامًا من فن الكاريكاتير، وإن كانت المقالات المنشورة حافلة بالسخرية والنقد الكاريكاتيري.
ثم ظهرت عدة صحف اهتمت بالفكاهة، مثل: "حمارة منيتي" و"أبو نواس" و"الكرباج" و"العفريت" و"الخلاعة" و"المسامير" و"الظرائف" و"مسامرات النديم" و"هاها" وغيرها.
وتطورت الصحافة الفكاهية تطورًا كبيرًا في العشرينيات، ثم بلغت ذروتها في الأربعينيات، وكان ذلك من خلال مجموعةٍ من الصحف، منها: "الكشكول" و"خيال الظل" و"الفكاهة" و"ألف صنف" و"الغول" و"الخازوق" و"أبو قردان" و"البغبغان" و"اشمعنى" و"البعكوكة" و"ضحك".
أما الصحف العادية.. فكان معظمها يزخر بالمقالات الساخرة والأزجال الفكاهية والشعر الحلمنتيشي.
ومن تلك المجلات: "اللطائف المصورة" و"سركيس" و"كل شيء" و"روزاليوسف" و"آخر ساعة" و"الاثنين" و"الصاعقة" و"المطرقة" وغيرها.
وقد أدَّى هذا الازدهار في الصحافة الفكاهية إلى ظهور كوكبةٍ من الساخرين والظرفاء أمثال: عبد العزيز البشري، والمازني، وفكري أباظة، وحسين شفيق المصري، وبيرم التونسي، ومحمد مصطفى حمام، وعبد السلام وكامل الشناوي وغيرهم.
*****
الفاشوش في حكم قراقوش: تأليف ابن مماتي
وفي تراثنا كتاب مشهور بهذا الاسم. وقبل أن نعرض له نرى من اللازم أن نعرف العنوان؛ فالشيء يظهر من عنوانه كما يقولون، فثمة خلاف حول معنى كلمة فاشوش.
1- فبعض الكتاب المصريين يرون أن "فاشوش" كلمة قبطية قديمة لا تزال تُستخدم إلى يومنا هذا في العامية المصرية، ومعناها الحرفي (عريان)، وانتهت فاشوش في الاستعمال الدارج إلى معنى يختلف عن معناها الحرفي، فلا يجوز لأحد أن يخرج على الناس وهو عار؛ لأن ما أتى به يعدُّ فعلاً فاضحًا يدل على الحماقة وتصرفًا أخرق يلحق بصاحبه الخزي والعار، وعليه وُظفت كلمة (فاشوش) للإشارةِ إلى التصرفات الخرقاء التي لا ينجم عنها سوى الخسارة، وتُعبِّر عن الفشل الذريع، وسار الناس إلى يومنا هذا يقولون كلما أرادوا وصف الأعمال الفاشلة والجهود الخائبة: (طلع نَقْبَك على فاشوش) ، أو (نزلت على فاشوش)، ويرد على هؤلاء أن الكلمة متداولة في بلاد الشام والرافدين والمغرب العربي، وتفيد نفس المعنى الوارد في المثل.
2- ويقول آخرون: إن كلمة فاشوش عربية قديمة، فصيحها (فشوش) أي كلام فارغ لا طائل تحته، والفيشوشة الضعف والرخاوة ومنه رجل فاشوش.
ومعنى قراقوش: وقراقوش لفظ تركي معناه بالعربي العُقاب، الطائر المعروف.
ومما أورده ابن مماتي في كتابه المذكور:
"أظلم من قراقوش أو أظلم من حكم قراقوش.. نبدأ الأمر ببعض القصص القصيرة: مر متسول على قراقوش في منزله يطلب طعامًا فأجابه قراقوش: لا بأس يا رجل أحضر إليَّ غدًا في المحكمة، وسأوفر لك ما تطلبه من طعام، وعند حضور الرجل المتسول أمام قراقوش نظر إليه قائلاً:
والله يا رجل لقد مزَّقت قلبي بشكواك أمس، ولم أجد سوى السجن مقامًا لك لتأكل وتملأ معدتك الخاوية، حتى إذا شعرت بالشبع أفرج عنك.
وقف رجلٌ أمام قراقوش يشكو بائع البطيخ لأنه باع له بطيخة ليست حلوة الطعم.
فقال قراقوش للشاكي: أتغضب يا رجل من البائع أم المزارع أم الخالق؟ أما البائع فلو كان منه لباعك أطيب البطيخ، وأما المزارع فلو كان منه لأنبت أحسن بطبخ.. إذن لم يبق إلا غضبك على الخالق.. ولهذا فالبائع بريء وأنت مكانك السجن حتى تُكفِّر عن ذنبك.
حُكي عن قراقوش أنه نشر قميصه، فوقع من على الحبل، فبلغه ذلك، فتصدَّق بألف درهم، وقال: لو كنت لابسه ووقع بي لانكسرت!.
وحُكي أن شخصًا شكا له مماطلة غريمه، فقال له المدين: يا مولانا، إني رجلٌ فقير، وإذا حصَّلت شيئًا له لا أجده، فإذا صرفته جاء وطالبني، فقال قراقوش: احبسوا صاحب الحق، حتى يصير المديون إذا حصَّل شيئًا يجد له موضعًا معلومًا، يدفع له فيه، فقال صاحب الحق: تركتُ أجري على الله. ومضى.
وأتوه بغلام، وفي يده ديك، فقال: يا هذا، إن هذا الديك لو نقر عينك لكان يقلعها، يا غلمان، خذوا منه دية عينه.
فحلف الغلام ألا يقعد في مدينة يكون حاكمها قراقوش أبدًا.
قيل أنه (أي قراقوش) سابق رجلاً بفرس له، فسبقه الرجل بفرسه، فحلف أنه لا يُعلفه ثلاثة أيام.
فقال له السابق: يا مولاي يموت.
فقال له قراقوش: احلف لي أنك إذا علفته يا هذا ألا تُعلمه أنني دريتُ بذلك".
****
أبو سعيد قراقوش بن عبد الله الأسدي الملقب بهاء الدين (597هـ):
فتى رومي وُلد في الأناضول عاش فيها فترة طفولته ثم في ظروف غامضة اتصل هذا الفتى بأسد الدين شيركوه عم صلاح الدين، وفي دمشق عاش قراقوش في خدمة سيده أسد الدين شيركوه.
فلما تُوفي أسد الدين شيركوه عام 564هـ التحق قراقوش بخدمة صلاح الدين الأيوبي فانصقلت مواهبه الإدارية والعسكرية وحاز على ثقة صلاح الدين.
ولما استقل صلاح الدين بالديار المصرية جعل له زمام القصر، ثم ناب عنه مدةً بالديار المصرية، وفوَّض أمورها إليه، واعتمد في تدبير أحوالها عليه.. كان رجلاً مسعودًا، حسن المقاصد، جميل النية، وصاحب همة عالية، فآثاره تدل على ذلك، فهو الذي بنى السور المحيط بالقاهرة ومصر وما بينهما، وبنى قلعة الجبل، وبنى القناطر التي بالجيزة على طريق الأهرام، وعمَّر بالمقدس رباطًا.
ولما أخذ صلاح الدين مدينة عكا من الفرنج سلمها إليه، ثم لما عادوا واستولوا عليها وقع أسيرًا في أيديهم، وفدى نفسه منهم بعشرة آلاف دينار في سنة 588هـ، ففرح به السلطان فرحًا شديدًا، وكان له حقوق كثيرة على السطان وعلى الإسلام والمسلمين.
تولى قراقوش أعمالاً كثيرة: أمور عكا وعمارة سورها لصد هجمات الصليبيين، ثم تكليفه ببناء العديد من القلاع والحصون منها قلعة صلاح الدين بالقاهرة وبناء القناطر الخيرية.
واستمرت أعماله التي قام بها بعد وفاة صلاح الدين الأيوبي سنة 589 هـ؛ حيث عمل في خدمة الملك العزيز عثمان بن صلاح الدين يوسف بن أيوب فكان ينوب عنه حين يسافر خارج القاهرة.
وحينما غدر بالعزيز بعضُ أمراء الأسدية بقي قراقوش الذي كان نائبه في القاهرة مواليًا له، فعاد العزيز إلى الديار المصرية للقضاء على ذلك التمرد، كما أوكل إليه العزيز مهمات أخرى حيث كان يتولى حفظ أموال الزكاة ويتولى النظر في المظالم.
وبعد وفاة الملك العزيز أصبح قراقوش وصيًّا على ابنه الملك المنصور محمد الذي كان عمره تسع سنين حتى عزل قراقوش من (الوصاية)، إلا أن قراقوش بقي على أهميته حتى وفاته في رجب سنة 597 هـ.
وكتب الأسعد بن المهذب بن مينا بن زكريا بن مماتي في ذلك الكتاب المسمّى )الفاشوش في أحكام قراقوش(، الذي نال فيه من قراقوش؛ وذلك لما يُكنِّه من حسدٍ وحقدٍ على قراقوش؛ لأنّه يرى أنّه أجدر من قراقوش لدى صلاح الدين، مما لقي رواجًا خاصةً بين العامة الذين تداولوه وتناقلوا حكاياته.
حتى صار اسم قراقوش مرادفًا للأحكام الجائرة والغباء والجهل والظلم، غير مدركين أنّها تُنسب إلى رجلٍ كان له دور كبير فيما تحقق على يدي صلاح الدين من إنجازات، وكتب عنه أشياء يبعد وقوع مثلها منه؛ حيث إن صلاح الدين كان معتمدًا عليه في أحوال المملكة، ولولا وثوقه بمعرفته وكفايته ما فوضها إليه.
أمّا ما سطّره المؤرِّخون المنصفون الثقات عن مآثر هذا الرجل فقد نُسي، واكتفى الناس بما رسمه له ابن مماتي من سيرةٍ سيئةٍ يصعب محوها إلى يومنا هذا.
*****
الضحك والنكتة
مما قاله العلماء عن فوائد الضحك:
1- أنه يفيد الجسم والعقل: يحقق السعادة والسلام النفسي.
2- أنه يقلل من الضغوط: يحد من ارتفاع ضغط الدم وأمراض القلب.
3- أنه يزيد من القدرة على التأمل والاسترخاء.
4- أنه يقوي جهاز المناعة ووسائل الدفاع الطبيعية الموجودة في الجسم.
5- أنه يخفف من حدة الألم عن طريق رفع مستوى إفراز مادة الإندروفين س.
6- أنه يفيد مرضى التهاب الشعب الهوائية وأزمات الربو، عن طريق رفع نسبة الأكسجين في الدم الذي يدخل للرئة.
7- أنه ينمي روح المشاركة وروح العمل الجماعي، ويعطي الشخص الثقة بالنفس.
ولا يفوتنا أن نشير إلى أن العلاقة بين النكتة والضحك هي كما يقول المناطقة علاقة سبب بمسبب، أو سبب بنتيجة، فالضحك مترتب على النكتة المسموعة أو المقروءة أو المرسومة (الكريكاتير).
*****
النكتة في التراث الأدبي
في تراثنا الأدبي الكثير من النكات النثرية لا يتسع المقام للوقوف عندها، ولكننا سنستشهد ببعض ما نسميه الشعر الضاحك، في القطوف الآتية:
1- يدعو أحد البخلاء الشاعر أبا نصر "كشاجم" لتناول الطعام في بيته، فيقبل كشاجم الدعوة، وكانت النتيجةُ أن.. لكنْ لندع الشاعر يصفُ هذه الوقعة بنفسه يقول كشاجم:
صَدِيقًا لَنَا مِنْ أَبْرَعِ النَّاسِ فِي الْبُخْلِ = وَأَفْضَلُهُمْ فِيهِ، وَلَيْسَ بِذِي فَضْلِ
دَعَانِي كَمَا يَدْعُو الصَّدِيقُ صَدِيقَهُ = فَجِئْتُ كَمَا يَأْتِي إِلَى مِثْلِهِ مِثْلِي
فَلَمَّا جَلَسْنَا لِلطَّعَامِ.. رَأَيْتُهُ = يَرَى أَنَّهُ مِنْ بَعْضِ أَعْضَائِهِ أَكْلِي
وَيَغْتَاظُ أَحْيَانًا وَيَشْتُمُ عَبْدَهُ = وَأَعْلَمُ أَنَّ الْغَيْظَ وَالشَّتْمَ مِنْ أَجْلِي
فَأَقْبَلْتُ أَسْتَلُّ الْغِذَاءَ مَخَافَةً = وَأَلْحَاظُ عَيْنَيْهِ رَقِيبٌ عَلَى فِعْلِي
أَمُدُّ يَدِي سِرًّا لأَسْرِقَ لُقْمَةً = فَيَلْحَظُنِي شَزَرًا، فَأَعْبَثُ بِالْبَقْلِ
*****
2- ونرى ابن الرومي يرسمُ صورة "كاريكاتيرية" ساخرة لبخيل اسمه عيسى في البيتين التاليين:
يُقَتِّرُ عِيسَى عَلَى نَفْسِهِ = وَلَيْسَ بِبَاقٍ وَلاَ خَالِدِ
فَلَوْ يَسْتَطِيعُ لِتَقْتِيرِهِ = تَنَفَّسَ مِنْ مِنْخَرٍ وَاحِدِ
*****
3- وكان بين أحمد شوقي والدكتور محجوب ثابت ودٌّ قديم، وكان للدكتور محجوب حصان يرتاد به شوارع القاهرة أيام الثورة المصرية سنة 1919م، وكان أصدقاؤه يطلقون علي الحصان "مكسويني"، وهو بطل إيرلندي مشهور انتحر جوعًا بالإضراب عن الطعام، وأطلقوا على الحصان هذا الاسم (مكسويني) أو مكسي، كنايةً عن هزاله، وشدة جوعه وعدم العناية به، ثم باع محجوب الحصان، واشترى بدلاً منه سيارة قديمة من نوع (أوفر لاند)
فقال شوقي مداعبًا موجهًا خطابه إلى الحصان:
أَدُنْيَا الْخَيْلِ يَا مِكْسِي = كَدُنْيَا النَّاسِ غَدَّارَةْ
لَقَدْ بَدَّلَكَ الدَّهْرُ = مِن الإِقْبَالِ إِدْبَارَهْ
فَصَبْرًا يَا فَتَى الْخَيْلِ = فَنَفْسُ الْحُرِّ صَبَّارَةْ
أَحَقٌّ أَنَّ مَحْجُوبًا = سَلاَ عَنْكَ بِسَيَّارَةْ
وَبَاعَ الأَبْلَقَ الْحُرَّ = بِـ(أوفَرْلانْدَ) نَعَّارَةْ
وَلَمْ يَعْرِفْ لَهُ الْفَضْلَ = وَلاَ قَدَّرَ آثَارَةْ
وفي مداعبةٍ أخرى يخاطب شوقي الحصان مكسويني قائلاً:
تَفْدِيكَ يَا مِكْسِي الْجِيَادُ الصَّلاَدِمُ = وَنَفْدِي الأُسَاةَ النُّطْسَ مَنْ أَنْتَ خَادِمُ
كَأَنَّكَ إِنْ حَارَبْتَ فَوْقَكَ عَنْتَرُ = وَتَحْتَ ابْنِ سِينَا أَنْتَ حِينَ تُسَالِمُ
فَإِنَّكَ شَمْسٌ وَالْجِيَادُ كَوَاكِبُ = وَإِنَّكَ دِينَارٌ، وَهُنَّ دَرَاهِمُ
****
ويتحول الضحك إلى سخرية هادفة
حين يقوم الأدب بعملية إسقاط سياسية في نقد بعض النظم المستبدة، وللدكتور جابر قميحة في هذا النوع نماذج متعددة نكتفي بنموذجين منها:
(1) أزهَى عصرٍ للحريةْ
اسم الدولة: ظلمُستانْ
حاكمها الأعلى: بهمان
هو الدستورُ
هو القانونُ
هو السلطانْ
وشعارالدولة: مشنقةٌ
تتدلى من خلف القضبانُ
وسجونٍ سودِ الجدرانْ
الناسُ جياعْ
والفقرُ الضاري في كل مكانْ
ونيوبُ الأمراض الشتَّى
تنهش نهشًا في الأبدانْ
*****
(في حفلٍ فخمٍ ضخمٍ ضم ألوفًا وألوفًا
بمناسبة الذكرى.. ذكرى ميلادِ السلطانْ
انطلقَ السلطان خطيبًا...)
يا شعبي الغالي إنكمُو
سعداءُ بعهدِ الحريةْ..
عهدي الميمونِ المبرورْ
أزْهَى أعيادِ الحريةْ
*****
(صاح مواطنْ):
يا سلطانْ..
خبِّرنا أينَ الحريه؟!!
(لم يلتفت السلطان لهذا المعترض السائلْ.. السلطان يواصل خطبته غيرَ العصماءْ):
مِنْ حق الفرد بدولتِنا ظلمستانْ..
ينطق.. يكتب.. ينقد مَن شاءَ، وما شاءْ
وسواءٌ عندي العِليةُ والبُسَطاءْ
(وهنا هب مواطنُ يصرخ في غضبٍ مسعورْ):
يا سلطانْ، هل تسمحُ لي بسؤالٍ واحدْ؟
(ظهر الغضبُ الوحشي على وجهِ السلطانْ):
هِيهْ.. هل تسألُ أيضًا: أينَ الحرية؟!
لا.. بل أسألُ:
أين الرجلُ السائلُ قبلي من لحظاتٍ: أينَ الحريةْ؟؟!!
(2) وفاز ولي العهد بالجواد
اسم الدولة: ظلمُستانْ
حاكمها الأعلى: بهمان
هو الدستورُ
هو القانونُ
هو السلطانْ
وشعارالدولة: مشنقةٌ
تتدلى من خلف القضبانُ
وسجونٍ سودِ الجدرانْ
الناسُ جياعْ
والفقرُ الضاري في كل مكانْ
ونيوبُ الأمراض الشتَّى
تنهش نهشا في الأبدانْ
*****
وَلِيُّ العهدِ " هبَّارْيارْ "
فتى الفتيانِ ابن السلطانْ
شبَّههُ الشعبُ بالمنشارْ
"طالعْ واكلْ
نازلْ واكلْ"
يحبُّ الثروة والتجَّارْ
أغنى التجارْ
أصحابَ المالِ.. الأرضِ..
السلطةِ.. والمعمارْ
*****
وذاتَ نهارْ
عاد إلى القصر السلطانيِّ
يقودُ جوادًا أشهب
رائعْ.. فاتنْ.. ساحرْ
يا سبحانَ الخالقْ!!!
- ما هذا يا ولدي هباريار؟!!
- هذا يا أبتي السلطان جواد
أهدانيه مخيوليارْ
- مخيوليار؟.. مخيوليار؟
- شهبندر تجار الخيلْ
أرقى خيل
يستوردها من مملكة "المُهرستانْ"
بمئات.. وألوف
تُشحن في سفنٍ عملاقةْ
حتى تصل إلينا في عشرةِ أيامْ
- يا ولدي هباريارْ
أنت وليُّ العهدِ الأبَّهة المختارْ
وإنك تعلمُ أني عشتُ نظيف اليدْ
نظيفَ القلبْ
أرفض أي هدية
رخُصت.. كانتْ
أو كانت دُرًّا ونُضارْ
عجبًا.. يا ولدي!!!
رجلٌ يُهديكَ جوادًا
لو بيع لكانَ بثمن
مائةِ ألفٍ
بالديناراتِ البَهمانية؟؟!!
*****
(في غضب مسعور كالنار
انطلق السلطان بموكبه
وبصحبته هباريار
متجهيْن إلى شهبندر تجار الخيل... مخيوليارْ
ارتجف الرجل من الخوف
وكاد من الرجفة ينهار).
- هل أحلم؟!
يأتيني تاجُ الوطن وسلطانُ الدنيا
وولي العهد الأعظم هباريار؟!!
- اسمع يا هذا
إنا بيتٌ لا نقبل شيئًا بالمجانْ
وابني هباريار
أعطيتَ جوادًا أشهبْ..
ولقد جئتُ أسدد ثمنهْ
- يا مولاى.. هل تأذن لي
لأقول الحق بلا كذِبٍ؟؟
في الأسبوع الماضي
استوردتُ من المهرستان
ألفَ جواد بالثمن الفوري
وعليها عشرةْ
كهدايا بالمجانْ..
لم أدفع فيها دينارًا
- حتى لو صدقتك... أسأل:
كم كلفك شحنُ الخيل؟؟
- كلفني شحنُ الواحدِ
بالدينار البهماني.. عشرةْ
- الحق يقولْ.. والعدلُ يقول: ندفعُ أجرَ الشحْنْ
(السلطان... يخرج ورقةً من ذات المائة..
ويقدمها لمخيوليار).
- يا سيدَنا الغالي.. يا سلطانْ
قلت بصدق: كلفني شحن الواحد
بالدينار البهماني.. عشرة
لا زيادة.. لا نقصانْ
فلماذا تمنحني مائة دينار؟!
- خذ منها عشرة
وترد الباقي... تسعين
- يا سيدنا الغالي.. يا سلطان
أنا لا أحمل نقدًا سائلْ
.. كيف أرد لجلالتكم باقي المائة؟!!
- لا ضيرَ إذنْ.. لا ضير إذنْ
الحق يقول... والعدل يقول:
نأخذ بالباقي من خيلك تِسْعةْ.
*****
القفشة والنكتة
عرفنا النكتة من قبل لغويًّا واصطلاحيًّا، وهناك في الساحة الشعبية ما يُسمَّى "القفشة"، وهي تعني جملةً أو جملاً قصيرة سريعة خالية من الدرامية، ولكنها تعتمد على ما يمكن أن نسميه "اللعب اللغوية"، وتُثير الضحك، أو الابتسام.. هذا ومن معاني "القفش" لغةً: أخذ الشيء وجمعه، والضرب بالسيف والعصا. ومن نماذج القفشات:
- واحد راح يقعد على القهوة فقعد على شاي.
- واحد ضرب الثاني قلم، فكسر سِنه.
- واحد طلب شاي على مية بيضا، فقال له القهوجي: معندناش إلا مية سودة.
- سأل أحدهم العطار، عندك شَبَّة؟ فأجاب: لا والله دا اتجوِّزِتْ إمبارح.
- واحد مسك أبو قردان، لقاه أبو قرد واحد.
- واحد تبرَّع بالدم صار دمه خفيف.
- واحد ضاق خُلقه لبِّسه لأخوه الصغير.
- واحد ضرب الرقم القياسي في الجري.. الرقم القياسي رفع عليه قضية.
- مرة أستاذ قال لطلابه: يعيش القرد في جنوب آسيا، فهتف الطلاب: يعيش يعيش يعيش.
- وزارة الشباب والرياضة عملت مسابقة في الجري السريع، فاز بالجائزة الأولى واحد كسيح.. أطلقوا وراءه أسدًا.
- واحد زرع وردة........... طلعتله أم كلثوم
- مرة واحد راح يوكِّل محامي....... لقاه صايم.
- واحد رمى يمين الطلاق على مراته ماجاش فيها.
- واحد باع اللي وراه واللي قدامه واشترى اللي جنبه.
- بقرة جا لها جفاف نَزِّلتْ نيدو.
- ليه الخشب يتيم؟...... لأنه مقطوع من شجرة.
- مرة خمسة دخلوا كلية الهندسة اثنين طلعوا مهندسين، وثلاثة طلعوا مدينة نصر.
- واحد بلديتنا كبر دماغه معرفش يخرجها من الـ"تي شِرْت".
- واحد عداه العيب أخذ اللي بعده.
- مدرس رياضيات خلَّف ولدين واستنتج الثالت.
- واحدة بلدياتنا قالت لجوزها قولي كلمة حلوة، قال لها "بسبوسة"، قالت له يا أخي
قولي كلمة تهزِّني، قال لها "مرجيحة"، قالت له قولي كلمة أحس فيها إني مراتك
قال لها "انتى طالق".
- دكتور أسنان اشترى عود قصب لقاه مسوس حشاه.
- واحدة سودة قوي ركبها عفريت، حاولوا يطلعوه قالهم: نفسي أطلع بس مش شايف.
- واحدة بتقول لجوزها اطرد السواق كان حيموتني مرتين في حادثة. قال لها: خلينا نديه فرصة ثالثة.
- واحد قال لأبوه أنا عاوز موبايل قال له: موافق بس ترَكِّب أخواتك معاك.
- واحد وقَّف تاكسي وقاله: فاضي يا اسطى؟؟؟ قاله: أيوه فاضي.. قاله: طيب.. تعالى اقعد معايا عالقهوة شوية!!.
- واحد ابنه طلع من الأوائل.......... شفَّرُوه!
*****
فن القافية (إشمعنى)
وهناك في العطاء الشعبي الضاحك ما يُسمَّى "فن القافية" الذي يعتمد على كلمة "إشمعنى"، ولا علاقة له بالقافية المعروفة في الشعر.
ومن أشهر من قدَّم هذا النوع الثنائي "سلطان والفار"، وكانا يقدمانه في برنامج (ساعة لقلبك)، وكان الفار نحيفًا قصيرًا، بينما كان سلطان ضخمًا طويلاً.
وصورته أن يتبارى اثنان بجُمل تعتمد على موضوع محوري واحد.
وأذكر أنني سمعت منهما القافية الآتية:
يغطوك في الشتاء يا فار.
إشمعنى؟
بكرافتة.
وأنت في الشتاء يغطوك يا سلطان.
إشمعنى؟
بخيمة.
اللي يشوفوك ماشي معايا يا فار.
إشمعنى؟
يحسبوا أنك واقع مني.
يأكِّلوك يا سلطان.
إشمعنى؟
بسلطانية.
وأنت يأكلوك يا فار.
إشمعنى؟
بملقاط.
(وكلمة إشمعنى كلمة عربية فصيحة، وصحة كتابتها: إيش معنى؟ أي ما المعنى الذي تقصده..؟ وهذا ما يُسمَّى في اللغة العربية "النحت" وتفصيلها أي شيء تقصد. وما زال إخواننا في الشام يستعملونها في حديثهم العادي، ومن هذا القبيل كلمة "معلهش" وتفصيلها: ما عليَّ شيء.. فهي عربية فصيحة أيضًا أجريت فيها ما يسميه العرب "النحت"، ومنه: بسمل وحوقل: أي قال: بسم الله الرحمن الرحيم، وقال: لا حول ولا قوة إلا بالله).
*****
أنواع النكت: تُقسَّم النكت إلى نوعين بالنظر إلى دوافعها أو أهدافها:
1- النكت الهادفة: أي ذات المغزى السياسي أو الاجتماعي أو النقدي... إلخ
2- نكت الفارْس "farce": أو النكتة لذات النكتة، وهي ترمي إلى مجرد الإضحاك، بلا مضمون فلسفي أو سياسي أو اجتماعي، كما نرى في النماذج الآتية:
1- كان الرجل يحتضر، وأصبح بينه وبين الموت دقائق، فجمع أبناءه وقال لهم بصوت خفيض منكسر:
"يا أولادي سأموت بعد دقائق، وأريد أن أفضي إليكم بسر خطير جدًّا، فتحملوه دون أن تناقشوني فيه". "أنا يا أولادي لستُ أباكم" فصرخ الأولاد كلهم في نفس واحد: "أمال إنت مين يا بابا".
فقال الرجل: "أنا يا أولادي مش أبوكم.. أنا أمكم".
2- انطلق السائق الخائب بسيارة نقل، فصدم في طريقه اثنين: واحد مات، والثاني قطعت ساقه. فصرخ في السائق: كده قطعت رجلي يا بن الـ(.....).. فردَّ عليه السائق غاضبًا: "يا شيخ أتنيل، بقى اللي مات متكلمشي، وانت علشان حتة رجل عاملي دوشة؟!!!".
أما النكت الهادفة: فهي التي ترمي إلى تحقيق هدف سياسي، أو اجتماعي أو نفسي.. إلخ. ومن أنواعها:
أ. نكت الاعتزاز القومي، ومن نماذجه النكتة الآتية:
اخترعت أمريكا جهازًا آليًّا ذا شاشة كبيرة وأرسلته إلى السفارة الأمريكية في مصر، وأعلنت عن مسابقة مؤداها: من حق أي مواطن من أية جنسية أن يشترك فيها، وصورتها أن يوشوش الجهاز (بصوت غير مسموع بسؤال... أي سؤال، فإذا أجابه الجهاز يعد المتسابق راسبًا في المسابقة، ويظهر على شاشة الجهاز بعد ذلك السؤال وإجابته، ورسب الفرنسي والروسي والألماني، إلى أن جاء دور مصري صعيدي، فوشوش الجهاز بسؤال، بعدها مباشرة انفجر الجهاز، وأصبح شظايا، وكسب الصعيدي جائزة "المليون دولار".
فتجمع عليه الصحفيون وسألوه: ما نص السؤال الذي أعجزت به الجهاز العجيب حتى انفجر؟؟!!!!. فأجاب الصعيدي: بسيطة سألته جولي يا جهاز، أبو جردان، جبل ما يخلف الواد جردان كان اسمه إيه؟
أرادت الولايات المتحدة أن تتحدى الاتحاد السوفيتي في التقدم التقني، فأرسل الرئيس الأمريكي إلى الرئيس الروسي علبة صغيرة جدًّا بها برغوت مصنوع من الفضة بحجمه الطبيعي. وبعد أسبوع رده إليه الرئيس السوفيتي، بعد أن رُكِّب في رجله اليسرى حِدْوة.
(انتشرت هذه النكتة في مصر في عهد عبد الناصر، وقد كان بيننا وبين السوفييت مودة وتعاطف وتعاون).
وأحب أن أشير في هذا المقام إلى أن النكتة فن عالمي فلكل شعب نكته، وبهذه المناسبة نقدم النكتة الآتية التي سمعتها في الولايات المتحدة:
صعد رجل إلى أعلى دور في أعلى ناطحة السحاب، وهي "الإمباير ستيت" "empire sate"، وحاول الانتحار بإلقاء نفسه إلى الشارع، ولكن رجال الشرطة أمسكو به، وهو يحاول بكل قوته أن يتخلص منهم لينتحر، بسبب ضائقته المالية، ونزلوا به إلى الشارع وهو يقاوم، فوجدوا أمام المبنى رجلاً مقطوع الذراعين، وهو يرقص بسرعة وشدة، ويحرك ما بقي من ذراعيه، ويحك بهما جلده، والناس حوله يصفقون.. فانتهزها ضابط الشرطة فرصة وقال للرجل الذي كان يهم بالانتحار:
"انظر: هذا رجل مقطوع الذراعين، ومع ذلك ما زال عنده أملٌ في الحياة، فأخذ يرقص كما ترى، والناس في حلقةٍ يصفقون له. فليكن عندك أمل في حياتك"، فاقتنع الرجل وهدأت نفسه، وتركه رجال الشرطة، فوقف يصفق للراقص كالآخرين. وبعد أن انفضَّ الجمع سأله الرجل:
عجبًا كيف تكون مقطوع الذراعين، وترقص؟!!
فأجاب: أنا لم أكن أرقص، ولكن كنت أحاول أن أتخلص من قمل تحت إبطيِّ يضايقني.
ب: نكت النقد السياسي، ومن نماذجه النكات الثلاث الآتية:
تجادل أمريكي ومصري، كل منهما يتباهى بالحرية في وطنه، قال الأمريكي بلغ من الحرية عندنا أننا نستطيع أن نقوم بمظاهرة ضخمة في أكبر ميادين الولايات المتحدة ونهتف بسقوط أوباما، دون أن يتعرض لنا أحد.
فقال المصري: وإيه يعني نحن بلغ من الحرية إننا نستطيع أن نقوم بمظاهرة كبرى في ميدان التحرير، ونهتف فيها بسقوط أوباما، وبوش، وبوتن دون أن يتعرض لنا أحد.
سأل أحدهم الآخر: هل سمعت آخر نكتة؟ فأجابه : مش عاوز أسمعها، سبني أربي العيال.
فتأوّه الأول وتأفف (آه.. أف.. أف) فقال الثاني: أنا في عرضك، ابعد عني ما دمت بتتكلم في السياسة.
يُقال: إن أحد الرؤساء كان يقول في كل خطبةٍ من خطبه "وأنا بحمد الله في سياستي، ومعيشتي أتمثل وأقتدي بعمر".
فتجرَّأ أحد حوارييه وهمس في أذنه: ولكن سياستك تختلف تمامًا عن سياسة عمر بن الخطاب.
فأجابه الرئيس: "أنا لا أقصد عمر بن الخطاب، ولكني أقصد "عمر الشريف" اللي كان متجوز الله يمسيها بالخير- فاتن حمامة".
ج- نكت النقد الاجتماعي، ومن نماذجه النكتتان الآتيتان:
1- بينما كان أحد الموظفين "الشرفاء" يمشي مع ابنه الصغير في السوق فنظر الولد إلى دكان الجزار، وصرخ:
بابا.. بابا.. اللحمة طلعت.
لأ يا بنيي دي تهيؤات.
فصرخ الولد بصوت باك: لا يا بابا أنا عاوز لحمة.
(ولم يكن في جيب الموظف من مرتب الشهر إلا ثلاثة جنيهات)، ومع ذلك ذهب إلى الجزار ودار بينه الحوار الآتي:
- معلش يا معلم.. كل اللي معايا ثلاثة جنيه، اديني بيهم لحمة.
- امش يا راجل من هنا لحسن افتح دماغك بالساطور.
- طيب يا معلم.. اديني بالتلاتة جنيه عظم.
- امش يا راجل من هنا. دا أصغر ماسورة عندي بخمسة جنيه.
- طيب ممكن تاخد التلاتة جنيه، وتسبني أنا وابني الغلبان ده نحضن العجل خمسة دقائق.
2- عثر مصري على خاتم سليمان، فظهر له العفريت: شبيك.. لبيك.. عبدك بين اديك. قال الرجل: أنا عاوزك تجيب لي عشرة أرغفة. فصرخ العفريت في وجهه "يخرب بيتك يا ابن (.....) كده طلعتني من طابور العيش؟!!.
*****
وعلينا أن نلاحظ أن النكت السياسية تكثر في عهود الظلم والاستبداد؛ لذلك قال أحد علماء الاجتماع: إن المصريين ينكتون لـ"التعويض"، لا "التعبير"؛ أي أنهم يستعينون بالنكت ليضحكوا تعويضًا عن الآلام والمعاناة التي يعيشونها، وليس للتعبير عن فرح أو سعادة.
*****
وآمل- في النهاية- أن تكون معي يا قارئي العزيز في أن النكتة من أصدق الأصوات تعبيرًا عن "جُوَّانية" الشعب المكبوت.. المخروس.. المطحون، ولكلٍّ منها دلالة سياسية، أو اجتماعية، وآه.. آه.. !!! يا ليت الحكام المستبدين الأشاوس يقرءون، ويفهمون، ويستجيبون.. ولكن:
لقد أسمعتَ لو ناديتَ حيَّا = ولكن لا حياةَ لمَن تنادي
ونار لو نفختَ بها أضاءتْ = ولكن ضاع نفخك في الرمادِ