سورة التحريم من السور المدنية التي تتناول الشؤون التشريعية، وهي هنا تعالج قضايا وأحكاماً تتعلق "ببيت النبوة" وبأُمهات المؤمنين أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم الطاهرات، وذلك في إِطار تهيئة البيت المسلم، والنموذج الأكمل للأسرة السعيدة.
* تناولت السورة الكريمة في البدء الحديث عن تحريم الرسول صلى الله عليه وسلم لجاريته ومملوكته "مارية القبطية" على نفسه، وامتناعه عن معاشرتها إِرضاءً لرغبة بعض زوجاته الطاهرات، وجاء العتاب له لطيفاً رقيقاً، يشف عن عناية الله بعبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم أن يُضيّق على نفسه ما وسَّعه الله له {يا أيها النبيُ لم تُحرّمُ ما أحلَّ اللهُ لك تبتغي مرضاة أزواجك ..} الآية.
* ثم تناولت السورة أمراً على جانب كبير من الخطورة ألا وهو "إِفشاء السر" الذي يكون بين الزوجين، والذي يهدِّد الحياة الزوجية، وضربت المثل على ذلك برسول الله صلى الله عليه وسلم حين أسرَّ إِلى حفصة بسرٍّ واستكتمها إِياه، فأفشته إِلى عائشة حتى شاع الأمر وذاع، مما أغضب الرسول حتى همَّ بتطليق أزواجه {وإِذْ أسرَّ النبي إِلى بعض أزواجه حديثاً ..} الآية.
* وحملت السورة الكريمة حملة شديدةً عنيفة، على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم حين حدث ما حدث بينهن من التنافس، وغيرة بعضهن من بعض لأمورٍ يسيرة، وتوعدتهن بإِبدال الله لرسوله عليه السلام بنساءٍ خير منهنَّ، انتصاراً لرسول الله صلى الله عليه وسلم {عسى ربه إِن طلقكن أن يبدله أزواجاً خيراً منكن، مسلماتٍ، مؤمنات، قانتات، تائبات ..} الآية.
* وختمت السورة بضرب مثلين: مثل للزوجة الكافرة في عصمة الرجل الصالح المؤمن، ومثلاً للزوجة المؤمنة في عصمة الرجل الفاجر الكافر، تنبيهاً للعباد على أنه لا يغني في الآخرة أحدٌ عن أحد، ولا ينفع حسب ولا نسب، إِذا لم يكن عمل الإِنسان صالحاً {ضرب الله مثلاً للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط، كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما - أي كفرتا بالله ولم تؤمنا - فلم يغنيا عنهما من الله شيئاً وقيل ادخلا النار مع الداخلين * وضرب الله مثلاً للذين آمنوا امرأة فرعون إِذ قالت رب ابن لي عندك بيتاً في الجنة ..} الآيات. وهو ختم رائع يتناسق مع جوّ السورة وهدفها في ترسيخ دعائم الفضيلة والإيمان.
أحوال النبي صلى الله عليه وسلم مع بعض نسائه
{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ(1)قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ(2)وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِي الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ(3)إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ(4)عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَا
</A></B></I></U></FONT>